
في أبريل/نيسان 2020، أقدمت السلطات السعودية على اعتقال الشاب راكان العسيري، خريج هندسة البرمجيات من جامعة الملك سعود، بعد نشره سلسلة من الفيديوهات والتغريدات التي عبّر فيها عن رفضه للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ودعمه لحقوق المرأة، ومطالبته بإصلاحات مجتمعية سلمية. خمس سنوات مرت منذ ذلك الحين، ولا يزال العسيري رهن الاعتقال التعسفي دون توجيه تهم رسمية أو عرضه على محاكمة عادلة.
كان راكان العسيري يستخدم منصاته الإلكترونية لتسليط الضوء على قضايا اجتماعية داخل المملكة، متحدثًا بأسلوب مهذب وخالٍ من التحريض أو الإساءة. ورغم خلو سجله من أي سوابق جنائية، اختارت السلطات الرد على آرائه السلمية بتغييبه قسريًا، وتعريضه لانتهاكات متعددة، شملت ظروف احتجاز مهينة وتضييقًا ممنهجًا على عائلته خلال زياراتهم له.
وبدلًا من احترام حقوقه القانونية، عمدت السلطات إلى استخدام راكان كأداة دعائية، حيث أُجبر في يونيو/حزيران 2022 على الظهور في برنامج تلفزيوني عبر قناة الإخبارية الرسمية، للحديث عن “تحسينات” مزعومة في سجن الحائر، الذي يحتجز فيه، في محاولة فاضحة لتلميع صورة الجهاز الأمني والسجون السعودية، رغم ما هو موثق من ممارسات تعذيب وإهمال طبي، كان آخر ضحاياها المفكر والحقوقي البارز عبد الله الحامد الذي توفي في ذات السجن نتيجة الإهمال المتعمد.
ظهور راكان العسيري كان الأول بعد سنتين من اعتقاله التعسفي على خلفية انتقاده التطبيع مع إسرائيل، وقد ظهر وهو يقوم بالتعريف بأنشطة سجن الحائر التي توفرها المباحث العامة وأمن الدولة، كما تم البث من داخل قاعات يقول نشطاء عنها إنها تابعة لأحد الفنادق.
اللافت للنظر، أن سجن الحائر الذي تسعى السلطات لتلميع صورته ونشر دعاية إيجابية عنه -بالكذب والإجبار- هو ذاته السجن الذي قُتل فيه شيخ الحقوقيين السعوديين عبد الله الحامد نتيجة تعرضه للإهمال الطبي المتعمد، والتعنت في تقديم أي رعاية طبية له.
إن استمرار احتجاز راكان العسيري طيلة هذه السنوات دون محاكمة يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضمت إليه المملكة. كما أن إجباره على المشاركة في برامج دعائية حكومية رغمًا عنه، يكشف مدى الاستغلال الإعلامي الذي تمارسه السلطات لتغطية انتهاكاتها.
منظمة “معًا من أجل العدالة” تدعو المجتمع الدولي إلى الضغط الجاد على السلطات السعودية للإفراج الفوري وغير المشروط عن راكان العسيري، ووقف كل أشكال الانتقام من المواطنين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم. كما نطالب بفتح تحقيق عاجل في ظروف احتجازه، وضمان محاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات التي تعرض لها. لن يكون هناك إصلاح حقيقي في المملكة ما دام الشباب مثل راكان يُعاقبون على التفكير، وتُستخدم السجون كساحة لتصفية الأصوات الحرة.



