صحافة عالميةصحافة عالمية

عمر عبد العزيز: لهذه الأسباب قُتل جمال خاشقجي

ترجمة عن حوار صحفي أجرته شبكة CBC مع الناشط السعودي عمر عبد العزيز

“أعرف لماذا قُتل جمال… قُتل بسببي”، هكذا قال الناشط السعودي البارز عمر عبد العزيز أثناء حواره مع الفيلم الوثائقي الشهير The Dissident الذي يتناول قصة حياة ومقتل خاشقجي.

أبدى عمر -الناشط الذي يقيم في كندا- شعوره بالأسى وإحساسه بالذنب خلال اللقاء، مشيراً أن جمال قُتل بسبب اختراق هاتفه، مؤكداً أنه سيستمر في رحلته لتحقيق العدالة لخاشقجي.

يتطرق الفيلم الوثائقي، الذي أخرجه براين فوغل، إلى مقتل الصحفي السعودي وجهود الحكومة السعودية المزعومة لقمع منتقديها والتهرب من المساءلة عن جرائمها.

فيلم The Dissident أو “المنشق” تحدث عن نشاط عبد العزيز أيضاً، ومسيرته للنضال من أجل حقوق الإنسان، خاصة وأن الأشهر الأخيرة من حياة خاشقجي كان قد قضاها في التعاون مع عمر من أجل التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السعودي.

يروي عبد العزيز كيف طلب اللجوء في كندا عام 2014 بعد التعليقات التي أدلى بها على الإنترنت والتي لفتت انتباه الحكومة السعودية، وبصفته معارضًا سعوديًا يعيش في مونتريال، نجح في استقطاب عدد كبير من المتابعين على تويتر ويوتيوب لانتقاده الصريح للنظام.

تواصل خاشقجي وعبد العزيز لأول مرة في عام 2017، كما يقول عمر، حيث اشتركا كليهما في العيش في المنفى بسبب آرائهما المعارضة، وفي عام 2018، تمكن عبد العزيز من الحصول على دعم خاشقجي لمشروع جديد يتعلق بحقوق الإنسان.

يقول في الفيلم إن الحكومة السعودية استأجرت جيشًا من المتصيدين على تويتر، أو ما يُعرف بالذباب الإليكتروني، يُعتقد أن سعود القحطاني -مستشار ولي العهد المقرب- من كان يشرف عليهم، وقد قام هذا الذباب بتشويه سمعة النشطاء والمعارضين، وتضخيم الدعاية الحكومية وإغراق المنتقدين بالإساءات.

اقترح عبد العزيز خطة للرد على الذباب: إنشاء جيش مضاد من المتطوعين، يستخدم كل منهم هاتفين أو ثلاثة لإدارة مئات حسابات “تويتر”، وأطلق على جيشه اسم “النحل الإليكتروني”، والهدف منه حماية تغريدات أو وسوم معينة من هجمات الذباب، والتصدي للدعاية الحكومة السعودية والترويج لحرية التعبير داخل المملكة، وقد وافق خاشقجي على المساعدة في تمويل هذا المشروع.

في الفيلم، يتذكر عبد العزيز تحذيره لجمال: “بمجرد أن تبدأ العمل معنا، لن تصبح مجرد صحفي – ستتحول لمعارض”.

لسنوات عديدة، كان خاشقجي يعتبر من الأشخاص الموثوقين لدى العائلة المالكة السعودية – ولديه خبرة عميقة في معرفة ما يمكن قوله وما لا يمكن قوله للعائلة المالكة.

يشير الفيلم إلى أن الربيع العربي كان بمثابة نقطة تحول في حياته المهنية، كان المتظاهرون الذين كانوا يتعاملون مع المستبدين في مصر وأماكن أخرى مصدر إلهام له.

سرعان ما اندلعت ثورات معادية للديمقراطية، ووفقًا لزملائه السابقين، اعتقد خاشقجي أن الأموال السعودية هي التي تدعم هذه الثورات المضادة، ليصب انتقاد خاشقجي للنظام الملكي السعودي أكثر جهرًا وصراحة.

بحلول منتصف عام 2017، تم اعتقال النشطاء وصناع الفكر السعوديين، مما دفع خاشقجي إلى الفرار من البلاد، وبعد الاستقرار في واشنطن العاصمة، استمر في الكتابة ضد سياسات وتوجهات النظام الحاكم.

في النهاية، تسببت كتاباته المستمرة ضد سياسات ولي العهد، التي كان ينشرها عبر واشنطن بوست وغيرها، في أن يتم وصفه من قبل الأوساط الرسمية السعودية بأنه “خائن للنظام”.

يروي فيلم “المنشق” كيف أُرسلت فرقة اغتيال مؤلفة من 15 رجلاً إلى اسطنبول لقتل خاشقجي وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

في نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن وكالة المخابرات المركزية خلصت إلى أن محمد بن سلمان نفسه أمر بعملية قتل خاشقجي، “كل شيء يشير إلى وجوب التحقيق مع ولي العهد”، كما أشارت أنياس كالامارد، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي، في الفيلم.

في الفيلم، يروي عبد العزيز كيف جاء عميلان سعوديان إلى مونتريال في مارس 2018 في محاولة على ما يبدو لإعادته إلى المملكة، بعد أن رفض، علم عبد العزيز أن اثنين من إخوته وأكثر من 20 من أصدقائه قد تم اعتقالهم وسجنهم في المملكة العربية السعودية.

“لقد أمضيت الأسابيع القليلة التالية في إحصاء عدد الأشخاص الذين اعتقلوا، وعدد الأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء، في محاولة لمعرفة ما حدث لأحبائي … لقد كانت فوضى”.

في نفس الوقت تقريبًا، تم الاتصال بعبد العزيز من قبل باحثين من مركز Citizen Lab بجامعة تورنتو الكندية، أثناء التحقيق في الاستخدام العالمي لبرامج التجسس Pegasus ، التي طورتها شركة المراقبة الإسرائيلية NSO Group ، حيث كانوا قد تمكنوا من تأكيد تعرض هاتف عبد العزيز للاختراق، مما سمح بالوصول إلى سجلات المكالمات وجهات الاتصال والرسائل، وكان لديهم درجة عالية من الثقة في احتمال مسؤولية الحكومة السعودية أو أجهزتها الأمنية عن هذه الاختراقات.

وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد يوم واحد من نشر Citizen Lab تقريرًا يوضح بالتفصيل كيف تم استهداف عبد العزيز ببرنامج Pegasus ، اختفى جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

بعد مقتل خاشقجي، استطاع عبد العزيز فهم الصورة كاملة، كان على يقين من أن الاختراق، الذي كشف محادثاته مع خاشقجي وآخرين، تسبب في موجة من الأحداث المروعة التي عصفت به في الأشهر السابقة.

يقول في الفيلم: “باختراق هاتفي، أصبحت الحكومة السعودية تمتلك كل شيء حرفياً، كانوا يعرفون أن جمال كان يتواصل مع النشطاء والمعارضين، كانوا يعرفون أنه يمولنا”.

يقول عبد العزيز: “لهذا قتل جمال…لهذا السبب تم اعتقال العشرات من أصدقائي وإخوتي”.

وتابع “لا أعرف كيف مررت بهذه الأشياء. بصراحة، ليس لدي أي فكرة”، وأضاف لـ CBC “الشعور بالذنب كان يقتلني في ذلك الوقت.”

في يوليو/تموز من عام 2021، أفاد صحفيون من عدة منافذ إخبارية عالمية أنه تم تحديد وجود العديد من الأشخاص الآخرين المقربين من خاشقجي على قائمة أهداف مراقبة محتملة من قبل عملاء مجموعة NSO ، قبل وبعد وفاته.

أفادت الأنباء أن خطيبة خاشقجي، الباحثة التركية خديجة جنكيز، تعرضت للاختراق أيضاً باستخدام برامج التجسس Pegasus بعد أربعة أيام فقط من القتل.

كما أفاد التحقيق الصحفي الذي قام بإجرائه عدد من وسائل الإعلام العالمية ومنظمات حقوق الإنسان بأن أرقام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، بالإضافة إلى سياسيين آخرين ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين من 50 دولة قد تم اختيارهم من قبل عملاء NSO كأهداف محتملة للمراقبة.

قال عبد العزيز لشبكة CBC إنه أصيب بخيبة أمل في الحكومة الكندية بسبب استجابتها “الضعيفة” للأدلة التي تشير إلى تعرضه للاختراق والمراقبة من قبل عملاء سعوديين، وأكد أنه سعى منذ ذلك الحين لتحقيق العدالة بجهوده الذاتية، ورفع دعوى قضائية ضد مجموعة NSO.

حتى الآن، لا تزال هناك دعوات لمحاسبة كل من يُزعم أنهم ارتكبوا جريمة قتل خاشقجي الوحشية، في عام 2018، عاقبت الولايات المتحدة وكندا 17 مواطنا سعوديا مرتبطين بالاغتيال، وفي أوائل عام 2021، أضافت إدارة بايدن أشخاصاً آخرين إلى تلك القائمة.

لكن بينما أدانت محكمة سعودية ثمانية أشخاص متورطين في اغتيال في محاكمة مغلقة وسرية، يشير الفيلم إلى أنه تم تبرئة ثلاثة مسؤولين كبار – بمن فيهم سعود القحطاني – من ارتكاب أي جرائم.

لم يخضع ولي العهد نفسه للعقوبات من قبل المجتمع الدولي، حتى بعد تقرير صدر عام 2019 عن كالامارد خلص إلى أن وفاة خاشقجي تشكل “قتلًا خارج نطاق القضاء تتحمل المملكة العربية السعودية مسؤوليته”.

كما نشرت الحكومة الأمريكية تقريرًا استخباراتيًا خلص إلى أن محمد بن سلمان “وافق على عملية في اسطنبول بتركيا للقبض على الصحفي السعودي جمال خاشقجي أو قتله”.

يصف عبد العزيز إصدار التقرير الأمريكي بأنه “بداية جيدة”، لكنه يضيف “علينا أن نستمر في الحديث عما حدث لجمال”، ويعتقد أن تسليط الضوء على الحكومة السعودية قد يثنيهم عن ارتكاب جرائم مماثلة ويضغط عليهم “لعدم الذهاب وتعذيب كل معارض وناشط وناقد للنظام السعودي”.

منذ وفاة خاشقجي، عاد عبد العزيز إلى العمل بقوة في الحقل الحقوقي، لكن الثمن كان باهظًا، إخوته وأصدقائه ما زالوا في السجن، تعرض أحد إخوته للتعذيب، لا يستطيع التواصل مع أي فرد من عائلته، لكن كل هذه العراقيل لم تتمكن من إسكاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى